الغلاف الجوي محيط نعيش في قاعه كما تعيش كثير من الأحياء في قاع البحار والمحيطات، وهو كتلة من الغازات تحيط بالكرة الأرضية تمتد من مستوى سطح البحر إلى 18 ألف ميل، إلا أن 99% من هذه الكتلة موجود في الأميال الخمسين الدنيا. ويزن هذا المحيط من الهواء حوالي خمسة آلف مليون مليون طن، ويسلط على رؤوسنا حوالي 15 باوند لكل بوصة مربعة.
لكننا لا نشعر بهذا الضغط لأن الخالق الحكيم الرحيم قد أوجد ضغطاً لدماء وسوائل الجسم يعادل هذا الضغط الخارجي للهواء ويتناسب معه. والطيارون الذين يصعدون إلى ارتفاعات عالية يقل فيها الضغط الجوي تعد طائراتهم لمعادلة هذا النقص في الضغط، وإلا انفجرت الدماء في أجسامهم وتعرضوا للهلاك لاختلال توازن الضغط.
فهنالك إذن توازن محكم بين ضغط الجو على الجسم وضغط السوائل داخل الجسم يشهد بأنه من صنع الحكيم الرحيم. وقد جعل الله الهواء الجوي طبقات مختلفة، وجعل له تركيباً شفافاً يسمح بنفوذ الضوء. ويتشتت جزء من الأشعة الضوئية فيتجلى النهار فيتسنى بذلك للنبات صناعة الطعام، وللإنسان والحيوان السعي في ضوء النهار، وتتزين السماء في نظرنا باللون الأزرق الجميل. والهواء وسط ضروري لسماع الأصوات، ولولا ذلك ما تمكن إنسان من أن يكلم غيره ويسمع كلامه.
فتأمل في هذه الآيات الدالة على أنها من آثار الخالق الحكيم العليم الخبير، وكل ذلك يشهد أنه من صنع الخالق الحكيم الرحيم الواحد. وقد جعل الله سبحانه وتعالى الهواء غازاً قابلاً للانتشار يملأ أي حيز يتاح له، فيسهل بذلك تنفس الكائنات له وانتقاله من مكان إلى مكان فتتكون الرياح والأعاصير، ويسهل حمل بخار الماء وسوق السحب وإنزال الأمطار التي يحيي الله بها الأرض بعد موتها.
وعلى الرغم من تحرك الهواء من مكان إلى آخر فإنه لا يغادر الأرض؛ لأن الله جعل للأرض جاذبية تمسك بالغلاف الهوائي فلا يغادرها. ومع أن الهواء الجوي ليس عنصراً واحداً بل هو خليط من عدة غازات مختلفة، فإن هذه الغازات تحافظ على خصائصها، ولا تتفاعل مع بعضها البعض، ولو كانت تتفاعل مع بعضها البعض لتكونت من غازات الهواء مواد أخرى ولحرمنا كل النعم التي خلقها الله لنا في الهواء. وتتركز (50%) من كتلة الهواء الجوي في الكيلو مترات الستة الأولى حيث الحاجة إليها حيث يوجد الإنسان والكائنات الحية المحتاجة للهواء. فسبحان الخالق الحكيم العليم الرحيم الله الحافظ:
1) جعل الله سمك الغلاف الجوي ثمانية عشر ألف ميل، وصممه بإحكامٍ شديد وميزان دقيق؛ ليتم إحراق ملايين الشهب والنيازك قبل وصولها إلى الأرض، وحتى يتم امتصاص الأشعة القاتلة والدقائق الذرية المميتة قبل وصولها إلى الأرض. إنه يمثل درعاً واقياً لسكان الأرض من هذه المخاطر كلها. إنه أشبه بالمشيمة التي تحيط بالجنين، فحين تعبر منها الدماء إلى الجنين فإنها تمنع المواد الضارة من العبور وتسمح فقط بالمواد النافعة، مثلما يقوم غلاف الأوزون بمنع الأشعة الضارة بالكائنات الحية من العبور. ألا ترى أن هذا التدبير المحكم من صنع الله الحكيم الرحيم العليم الحافظ الذي أراد أن يحفظ الكائنات الحية من المخاطر المحيطة بها من كل اتجاه.
2) جعل الله سبحانه وتعالى بخار الماء سبباً مهماً في الظواهر الجوية، وسبباً في منع معظم الأشعة الحرارية طويلة الموجة (تحت الحمراء) من الخروج من جو الأرض، فحفظ بذلك الأرض من التبرد الشديد وحفظ حرارتها، كما جعل الله سبحانه وتعالى بخار الماء يعمل على تدفئة الجو عند تكاثفه حال هطول الأمطار بسبب انطلاق الحرارة الكامنة فيه. كل ذلك يشهد أنه من صنع الإله الحكيم الحافظ القدير.
3) يحيط بالأرض حزمتان مغناطيسيتان، إحداهما على ارتفاع ثلاثة آلف ومائتي كيلومتر، والأخرى على ارتفاع ستة عشر ألف كيلومتر، تعرفان بحزامي فان ألن Van Allen)) تقومان بحماية الأرض من الأشعة الكونية التي تحمل جسيمات ذرية فتاكة، وتقومان بتغيير اتجاهها. فهذه نعم عظيمة علينا من الخالق سبحانه الذي خلق الحياة وحفظها، فسبحان الله الحكيم الخبير الحافظ.